يُعد انقطاع الطمث مرحلة طبيعية في حياة المرأة، حيث تتوقف الدورة الشهرية بشكل دائم بعد مرور 12 شهرًا على آخر دورة. ورغم أن هذه المرحلة تمثل نهاية سنوات الخصوبة، إلا أنها غالبًا ما تكون مصحوبة بأعراض مزعجة مثل الهبات الساخنة، التعرق الليلي، جفاف المهبل، وانخفاض الرغبة الجنسية. لكن العرض الأكثر إثارة للقلق بين العديد من النساء هو ما يعرف بـ ضبابية الدماغ أو ضعف الذاكرة وصعوبة التركيز.
في مواجهة هذه الأعراض، تلجأ الكثير من النساء إلى العلاج الهرموني لتعويض نقص هرمون الإستروجين، خاصة عبر استخدام هرمون الإستراديول. الدراسات الحديثة بدأت تكشف أن تأثير هذا العلاج على الذاكرة لا يرتبط فقط بوجود الهرمون، بل أيضًا بطريقة إعطائه.
العلاقة بين انقطاع الطمث والدماغ
انخفاض هرمون الإستروجين يؤثر بشكل مباشر على مناطق في الدماغ مسؤولة عن الذاكرة مثل الحُصين والفص الصدغي الأوسط. هذه المناطق تتحكم في تخزين الذكريات، استرجاعها، والتخطيط للمستقبل. هنا يظهر التساؤل: هل يمكن أن يحمي العلاج الهرموني الذاكرة بعد انقطاع الطمث؟
نتائج دراسة كندية حديثة
قام باحثون بدراسة بيانات 7251 امرأة بعد انقطاع الطمث بمتوسط عمر 60 عامًا، حيث خضعت المشاركات لاختبارات لقياس أنواع مختلفة من الذاكرة:
- الذاكرة العرضية: تذكر الأحداث والتجارب الشخصية.
- الذاكرة المستقبلية: تذكر تنفيذ المهام المستقبلية مثل المواعيد أو تناول الأدوية.
- الوظائف التنفيذية: التخطيط وحل المشكلات.
النتائج كانت واضحة:
- الاستخدام عبر الجلد (لصقات أو جل الإستراديول) أدى إلى تحسن في الذاكرة العرضية.
- الاستخدام عبر الفم ساعد على تحسين الذاكرة المستقبلية.
- لم يظهَر أي تأثير على الوظائف التنفيذية.
لماذا تختلف النتائج حسب طريقة العلاج؟
عند تناول الإستروجين عبر الفم، يمر بالكبد ويتحول جزء منه إلى هرمون أضعف يسمى الإسترون، مما يقلل تأثيره في الدماغ. أما عند استخدامه عبر الجلد، فإنه يدخل مباشرة إلى مجرى الدم، مما يحافظ على قوته وفعاليته، ويُفسر سبب دعمه الأفضل للذاكرة العرضية.
أهمية توقيت العلاج
أشارت الدراسة أيضًا إلى أن النساء اللواتي دخلن في مرحلة انقطاع الطمث مبكرًا سجلن أداء أضعف في اختبارات الذاكرة. هذا يعزز فكرة أن التدخل المبكر بالعلاج الهرموني قد يكون أكثر فعالية في الحفاظ على صحة الدماغ.
ماذا عن ضبابية الدماغ؟
تشعر كثير من النساء بضبابية التفكير بعد انقطاع الطمث، وهو عرض قد يؤثر على العمل والحياة اليومية. العلاج الهرموني، خصوصًا الإستراديول، قد يساعد على تخفيف هذه المشكلة، لكنه ليس حلًا نهائيًا، بل يقدم تحسنًا محدودًا في بعض جوانب الذاكرة.
قيود الدراسة والحاجة للمزيد من الأبحاث
رغم النتائج المشجعة، إلا أن الدراسة كانت مقطعية ولم تتابع النساء على مدى طويل، كما أنها ركزت على الإستراديول فقط. وبالتالي، لا يمكن اعتبارها دليلًا قاطعًا، بل مؤشرًا يستدعي المزيد من الدراسات الطولية لفهم الصورة الكاملة.
نصائح عملية للنساء
العلاج الهرموني ليس مناسبًا للجميع، ويجب اتخاذ القرار بعد استشارة الطبيب. لكن يمكن دعم صحة الدماغ بطرق طبيعية مثل:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- اتباع نظام غذائي متوازن وغني بالمغذيات.
- النوم الكافي لتقوية الذاكرة.
- تحفيز الدماغ بالقراءة وتعلم مهارات جديدة.
خلاصة
انقطاع الطمث مرحلة طبيعية لكنها قد تؤثر على الذاكرة بشكل ملحوظ. الأبحاث الحديثة تكشف أن طريقة إعطاء العلاج الهرموني تصنع فارقًا: فالعلاج عبر الجلد يدعم الذاكرة العرضية، بينما العلاج الفموي يحسّن الذاكرة المستقبلية. ورغم أن النتائج واعدة، إلا أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لفهم الفوائد والمخاطر بشكل أوضح. الأكيد أن العلاج الهرموني يظل خيارًا مهمًا للتخفيف من أعراض انقطاع الطمث، وربما وسيلة لدعم صحة الدماغ مع التقدم في العمر.